وازدادت المطالبة للإخوان بالتغير والتطور حتى اختلط الأمر على الناس والمهتمين بشأن الاخوان وعلى الإخوان انفسهم , وصار مع كل مناسبة وأحيانا كان من غير مناسبة تتجدد الدعوة للإخوان تطالبهم بأن يتغيرو ويطوروا من أنفسهم , ولأن التغيير سنة من السنن الربانية والتطور مطلب انسانى للتقدم والتطور , لذلك كان عدم الاستجابه لهذه الدعوات من قبل الاخوان يعنى التقوقع والقولبة ورفض الحضارة والسير عكس حركة التاريخ , ولأن هذا الأمر ينطوى على مغالطات كثيرة واختلاط للأمور بعضها ببعض وفساد للإستنتاج لفساد الإستدلال من هنا كان لابد من الغوص فى أعماق هذا الموضوع ومناقشته بشفافية ووضوح واضعين نصب أعيننا التقدم والتطور والحرية والعدل والشورى ونهضة الأمة ووحدتها .
بداية لابد من تحرير بعض المصطلحات لتكون منطلقات الحديث ثابتة وواضحة أمام أعيننا :
الغايات : الغايات هى اسمى المقاصد وأعلى الأهداف وهى التى أجملها الإخوان فى شعارهم ( الله غايتنا ) أى غايتهم ومبتغاهم هو رضى الله وحده من كل اعمالهم وحركاتهم وسكناتهم وأهدافهم ووسائلهم .
المبادىء: هى الأطر العامة أو السياسات العامة التى تحكم حركة الجماعة لتحقيق غايتها , وهى التى وضعها مؤسسوا الجماعة للإلتزام بها وهى من الثوابت التى لاتتغير بتغير الظروف والأحوالومثال عليها التدرج فى التغيير , والتغيير السلمى , وعدم تبنى الخلاف الفقهى أو الإلتزام برأى فيه أو إلزام الأفراد برأى معين ,,,,,.
الإجراءات : هى ماتتخذه الجماعة من تدابير لتنفيذ الوسائل وتحقيق الأهداف , وهى من المتغيرات التى يجب على الجماعة ممثلةفى أبنائها كل فى موقع مسئوليته أن يسعى إلى تطوير الأدوات وتغييرها وتنوعها ماأمكن لذلك سبيل ومن ذلك الانتخابات مثلا دخولها أو الاحجام عنها والآلية التى تتخذ لتنفيذها وخوضها وافضل السبل لإنجاحها ,كذلك وسائل التعبير عن الرأى ووسائل الضغط مثل التظاهر والوقفات والمسيرات , ووسائل الضغط المختلفة إعلاميا وسياسيا ومجتمعيا كل هذه اجراءات تتغير بتغير الظرف وتحتاج إلى التطوير والتحسين والتنوع والإحترافية فى الأداء وفى هذا الجانب توجد مسافات كبيرة بين مايؤدى وبين الاحترافية فى الأداء .
محاور العمل : هى المجالات التى تعمل من خلالها الجماعة للوصول إلى غايتها وهى حق أصيل لقيادة الجماعة وثابت من ثوابتها لايقرره الغير ولاتفرضه الظروف ولايقترحه الأفراد , بل على الأفراد الإلتزام بالعمل من خلال هذه المحاور , وهذه المحاور تشمل السياسى و الدعوى و الإدارى وغيرها من المحاور , وهنا كان الجدل الدائر حول التغيير الذى ينشده البعض ويطلبه البعض الآخر , ألا وهو التخلى عن بعض هذه المحاور إيثارا للسلامة وحفاظا على الجماعة وضمان للسير دون الإصطدام والتعثر ومثال ذلك التخلى عن المحور السياسى والتركيز على المحور الدعوى , هذه المحاور وضعت مسبقا لتحقق الأهداف القريبة والبعيدة ووضعت بعد دراسة متأنية بعيدا عن ضغوط العقبات وتغير السياسة وتقلبها, والجماعة التى تغير محاور عملها طبقا لتغير السياسة لن تحقق شيئا من أهدافها وسينحرف مسارها, ولكن يجب أن يكون هناك مرونة لتغليب محور على آخر والتركيز على محور لحساب آخر وكذلك التقديم والتأخير والإسراع والإبطاء تماشيا مع الظروف والواقع دون التخلى عن أى من محاور العمل.
مسارات العمل: وهو الخط العملى الذى تسلكه الجماعة وتعمل من خلاله فى محاور العمل المختلفة لتحقيق الأهداف ومنها الحزب يعتبر مسار سياسى من المسارات التى تنفذ من خلالها اعمال المحور السياسى والجمعيات الخيرية واعمال البر مسار للمحور المجتمعى وهكذا وهذه المسارات تتغير وتتطور وتستجد فيها مسارات جديدة كل يوم يجب الخذ بها .
من خلال التعرف على هذه المصطلحات نستطيع أن نقول أن التغيير مطلوب فى الإجراءات والوسائل وهى محل نقد من أبناء الجماعة أملا فى تحسين الأداء وهذا حقهم على جماعتهم وأنا أدعو من هنا كل فى موقعه وحدود مسئوليته أن يسعى إلى تطوير نفسه وتحسين أدائه وأن يعلم أنه يعمل فى جماعة هى محط أنظار العالم كله ومحط آمال الكثيرين من أبناء هذه الأمة , فوجب على الجميع العمل بما يقتضيه عليه انتماؤه , مع تقبل النصح والنقد للأداء لأن الكمال لله وحده وليس هناك حدود فى التجويد والإتقان ولكن هناك مستوى ينبغى ألا نقل عنه وأن نبحث عن كل جديد ,كما أقول للمنتقدين من أبناء الجماعة أن التغيير والتطوير فى الوسائل وكذلك كفاءة الأداء أمر مطلوب لدى الجميع لكنه فى ذات الوقت هو أمر كمى وليس قطعى بمعنى انه امر يشمل درجات الإجادة المختلفة من الحسن والجيد والممتاز والأحسن والأفضل ولا يعنى المقابلة فى المعنى بين الصواب والخطأ , ومن هنا تتغير النظرة الى التطوير وتقل الحدة فى النصح , ومعها نحسن تشخيص الواقع ليحسن علاجه والتدرج فى الإصلاح والتطوير.
نقطة أخرى وهى أن جماعة الإخوان لها مرشد واحد ومكتب إرشاد واحد أى لها رأس تدير هذا الهيكل الكبير والبعض يرى أن هذه نقطة ضعف للجماعة حيث أن كبر الهيكل وضخامته يؤدى الى ترهل فى الأداء وعائق فى المناورة سياسيا , وهذا الطرح يفتقد الى الرؤية الواضحة لطبيعة التنظيم وطبيعة الحركة , وإلا لو صح ذلك لكانت الجيوش التى تضم عدة ملايين فى الجيش الواحد لكانت عائق فى حركتها وهى التى تعتمد بشكل أساسى على الحركة والمناورة وكفاءة التنظيم والإنضباط من خلال الادارةالمركزية, فوجود هيكل وتنظيم وقيادة عامل قوة وليس عامل ضعف ولكن هذا الهيكل والتنظيم يحتاج إلى كفاءة ومهارة فى الأداء للأفراد والضعف فى الأداء مرجعه إلى ضعف المهارات والقدرات لدى الأفراد وهذا هو محل التطوير والإصلاح, كما أن التطوير فى الأداء وابتكار الوسائل أمر لايرتبط بالقرار الإدارى وان كان حرص القيادة على التطوير والدعوة اليه يجب أن تكون من أولويات القيادة وأحد مهامها , ومع هذا يبقى التطوير دافع ذاتى لكل فرد فى الجماعة وهو باب غير مغلق أو محتكر من جهة من الجهات ولذلك لايصح أن نطالب بالتطوير والإصلاح من القيادة دون أن نسعى اليه ونمارسه , فاختيار مكان معركة بدر كان باقتراح أحد الجنود ( الحباب بن المنذر) ليغير الموقع الذى اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم , كما أن دخول الإخوان انتخابات 1987م كان برأى أحد أفراد الصف الغير معروفين , كذلك فإن الذى اخترع صواريخ القسام لم يكن قياديا فى حماس ولا مهندسا فى تصنيع الصواريخ ولم يكن يعرف كيف تصنع ولاقوة الدفع ولا كيفية الاطلاق والتفجير لكن الذى كان يعرفه ويشغله كيف يبتكر وسيلة يقاوم يها الأعداء ويقلل بها الخسائر فى صفوف المجاهدين هذا الدافع هو الذى جعله يسعى ويسأل ويجرب حتى كتب له النجاح وكما يقولون الحاجة أم الإختراع , نعم انه الشاب نضال فرحات الذى لم يتجاوز عمره الثلاثون ربيعا , ولم يكن قائدا من القيادات ولم يمنعه ذلك من السعى الدؤوب لتحقيق مراده.
نعم تحتاج الجماعة الى التطوير والتحسين والتجويد فى الأداء ولكن هذا التطوير فىالإجراءات والوسائل والآليات والمسارات , ولكن لايعقل أن نطالب بتغيير المبادىء أو محاور العمل والأداء وإلا كان المطلوب تعديل وتغيير هذه الجماعة بجماعة أخرى ذات مبادىء مختلفة واهداف مختلفة ومحاور أداء مختلفة واعتقد أنه لايطلب هذا محب ولا منصف ولايجرؤ على التصريح به خصم عاقل , أما غير هؤلاء فقد ذهبو الى ماهو ابعد من ذلك ذهبو الى تاليب المجتمع وحشده ضد الجماعة وضغطوا بكل قواهم لإسقاط الجماعة سياسيا حين عجزو عن مواجهتها فى الميدان فنسبو اليها كل قبيح لم تفعله واستخدموا الاعلام لتزييف الحقائق واثارة الرأى العام فى الوقت الذى تحاصر فيه الجماعة اعلاميا وتمنع من أى منبر يصل الى الناس ولم تترك لك الا الفضاء الإلكترونى الذى لايطلع عليه الا ابناء الجماعة فقط وهو تحت ضغط مستمر وليس امام الجماعة خيارات كثيرة وهذا ليس مبررا للسكوت أو للتقوقع ولكن هذا يفرض على أبناء الجماعة وافرادها التفكير فى البدائل التى تخدم الدعوة بدلا من السعى المستمر الى النقد دون العمل والبناء . د/ انور حامد