لماذا لايتغير الاخوان ؟

الاخوان المسلمون أكبر حركة وفصيل اسلامى على مستوى العالم يتخذ المنهج الوسطى ويسعى الى التغيير والاصلاح كمنهج حركى تلتزم به الجماعة لتحقيق أهدافها والتى تتمثل فى اقامة العدل والحرية والمساواة والشورى ووحدة الأمة ونهضتها , وهى تتخذ لذلك وسائل عديدة ومن أجل ذلك تعترضها عقبات كثيرة وتفرض عليها تضحيات عظيمة , وتتآلب عليها قوى الفساد وأعداء الحرية , وهى صابرة ومصابرة تتلقى الضربات تلو الضربات وهى ثابتة على نفس الطريق تعيد المحاولة مرات ومرات , وسهام النقد لاتتوقف من القريب والبعيد , من الصديق والخصم على حد سواء مع اختلاف المقاصد والنوايا .
وازدادت المطالبة للإخوان بالتغير والتطور حتى اختلط الأمر على الناس والمهتمين بشأن الاخوان وعلى الإخوان انفسهم , وصار مع كل مناسبة وأحيانا كان من غير مناسبة تتجدد الدعوة للإخوان تطالبهم بأن يتغيرو ويطوروا من أنفسهم , ولأن التغيير سنة من السنن الربانية والتطور مطلب انسانى للتقدم والتطور , لذلك كان عدم الاستجابه لهذه الدعوات من قبل الاخوان يعنى التقوقع والقولبة ورفض الحضارة والسير عكس حركة التاريخ , ولأن هذا الأمر ينطوى على مغالطات كثيرة واختلاط للأمور بعضها ببعض وفساد للإستنتاج لفساد الإستدلال من هنا كان لابد من الغوص فى أعماق هذا الموضوع ومناقشته بشفافية ووضوح واضعين نصب أعيننا التقدم والتطور والحرية والعدل والشورى ونهضة الأمة ووحدتها .
بداية لابد من تحرير بعض المصطلحات لتكون منطلقات الحديث ثابتة وواضحة أمام أعيننا :
الغايات : الغايات هى اسمى المقاصد وأعلى الأهداف وهى التى أجملها الإخوان فى شعارهم ( الله غايتنا ) أى غايتهم ومبتغاهم هو رضى الله وحده من كل اعمالهم وحركاتهم وسكناتهم وأهدافهم ووسائلهم .
المبادىء: هى الأطر العامة أو السياسات العامة التى تحكم حركة الجماعة لتحقيق غايتها , وهى التى وضعها مؤسسوا الجماعة للإلتزام بها وهى من الثوابت التى لاتتغير بتغير الظروف والأحوالومثال عليها التدرج فى التغيير , والتغيير السلمى , وعدم تبنى الخلاف الفقهى أو الإلتزام برأى فيه أو إلزام الأفراد برأى معين ,,,,,.
الإجراءات : هى ماتتخذه الجماعة من تدابير لتنفيذ الوسائل وتحقيق الأهداف , وهى من المتغيرات التى يجب على الجماعة ممثلةفى أبنائها كل فى موقع مسئوليته أن يسعى إلى تطوير الأدوات وتغييرها وتنوعها ماأمكن لذلك سبيل ومن ذلك الانتخابات مثلا دخولها أو الاحجام عنها والآلية التى تتخذ لتنفيذها وخوضها وافضل السبل لإنجاحها ,كذلك وسائل التعبير عن الرأى ووسائل الضغط مثل التظاهر والوقفات والمسيرات , ووسائل الضغط المختلفة إعلاميا وسياسيا ومجتمعيا كل هذه اجراءات تتغير بتغير الظرف وتحتاج إلى التطوير والتحسين والتنوع والإحترافية فى الأداء وفى هذا الجانب توجد مسافات كبيرة بين مايؤدى وبين الاحترافية فى الأداء .
محاور العمل : هى المجالات التى تعمل من خلالها الجماعة للوصول إلى غايتها وهى حق أصيل لقيادة الجماعة وثابت من ثوابتها لايقرره الغير ولاتفرضه الظروف ولايقترحه الأفراد , بل على الأفراد الإلتزام بالعمل من خلال هذه المحاور , وهذه المحاور تشمل السياسى و الدعوى و الإدارى وغيرها من المحاور , وهنا كان الجدل الدائر حول التغيير الذى ينشده البعض ويطلبه البعض الآخر , ألا وهو التخلى عن بعض هذه المحاور إيثارا للسلامة وحفاظا على الجماعة وضمان للسير دون الإصطدام والتعثر ومثال ذلك التخلى عن المحور السياسى والتركيز على المحور الدعوى , هذه المحاور وضعت مسبقا لتحقق الأهداف القريبة والبعيدة ووضعت بعد دراسة متأنية بعيدا عن ضغوط العقبات وتغير السياسة وتقلبها, والجماعة التى تغير محاور عملها طبقا لتغير السياسة لن تحقق شيئا من أهدافها وسينحرف مسارها, ولكن يجب أن يكون هناك مرونة لتغليب محور على آخر والتركيز على محور لحساب آخر وكذلك التقديم والتأخير والإسراع والإبطاء تماشيا مع الظروف والواقع دون التخلى عن أى من محاور العمل.
مسارات العمل: وهو الخط العملى الذى تسلكه الجماعة وتعمل من خلاله فى محاور العمل المختلفة لتحقيق الأهداف ومنها الحزب يعتبر مسار سياسى من المسارات التى تنفذ من خلالها اعمال المحور السياسى والجمعيات الخيرية واعمال البر مسار للمحور المجتمعى وهكذا وهذه المسارات تتغير وتتطور وتستجد فيها مسارات جديدة كل يوم يجب الخذ بها .

من خلال التعرف على هذه المصطلحات نستطيع أن نقول أن التغيير مطلوب فى الإجراءات والوسائل وهى محل نقد من أبناء الجماعة أملا فى تحسين الأداء وهذا حقهم على جماعتهم وأنا أدعو من هنا كل فى موقعه وحدود مسئوليته أن يسعى إلى تطوير نفسه وتحسين أدائه وأن يعلم أنه يعمل فى جماعة هى محط أنظار العالم كله ومحط آمال الكثيرين من أبناء هذه الأمة , فوجب على الجميع العمل بما يقتضيه عليه انتماؤه , مع تقبل النصح والنقد للأداء لأن الكمال لله وحده وليس هناك حدود فى التجويد والإتقان ولكن هناك مستوى ينبغى ألا نقل عنه وأن نبحث عن كل جديد ,كما أقول للمنتقدين من أبناء الجماعة أن التغيير والتطوير فى الوسائل وكذلك كفاءة الأداء أمر مطلوب لدى الجميع لكنه فى ذات الوقت هو أمر كمى وليس قطعى بمعنى انه امر يشمل درجات الإجادة المختلفة من الحسن والجيد والممتاز والأحسن والأفضل ولا يعنى المقابلة فى المعنى بين الصواب والخطأ , ومن هنا تتغير النظرة الى التطوير وتقل الحدة فى النصح , ومعها نحسن تشخيص الواقع ليحسن علاجه والتدرج فى الإصلاح والتطوير.
نقطة أخرى وهى أن جماعة الإخوان لها مرشد واحد ومكتب إرشاد واحد أى لها رأس تدير هذا الهيكل الكبير والبعض يرى أن هذه نقطة ضعف للجماعة حيث أن كبر الهيكل وضخامته يؤدى الى ترهل فى الأداء وعائق فى المناورة سياسيا , وهذا الطرح يفتقد الى الرؤية الواضحة لطبيعة التنظيم وطبيعة الحركة , وإلا لو صح ذلك لكانت الجيوش التى تضم عدة ملايين فى الجيش الواحد لكانت عائق فى حركتها وهى التى تعتمد بشكل أساسى على الحركة والمناورة وكفاءة التنظيم والإنضباط من خلال الادارةالمركزية, فوجود هيكل وتنظيم وقيادة عامل قوة وليس عامل ضعف ولكن هذا الهيكل والتنظيم يحتاج إلى كفاءة ومهارة فى الأداء للأفراد والضعف فى الأداء مرجعه إلى ضعف المهارات والقدرات لدى الأفراد وهذا هو محل التطوير والإصلاح, كما أن التطوير فى الأداء وابتكار الوسائل أمر لايرتبط بالقرار الإدارى وان كان حرص القيادة على التطوير والدعوة اليه يجب أن تكون من أولويات القيادة وأحد مهامها , ومع هذا يبقى التطوير دافع ذاتى لكل فرد فى الجماعة وهو باب غير مغلق أو محتكر من جهة من الجهات ولذلك لايصح أن نطالب بالتطوير والإصلاح من القيادة دون أن نسعى اليه ونمارسه , فاختيار مكان معركة بدر كان باقتراح أحد الجنود ( الحباب بن المنذر) ليغير الموقع الذى اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم , كما أن دخول الإخوان انتخابات 1987م كان برأى أحد أفراد الصف الغير معروفين , كذلك فإن الذى اخترع صواريخ القسام لم يكن قياديا فى حماس ولا مهندسا فى تصنيع الصواريخ ولم يكن يعرف كيف تصنع ولاقوة الدفع ولا كيفية الاطلاق والتفجير لكن الذى كان يعرفه ويشغله كيف يبتكر وسيلة يقاوم يها الأعداء ويقلل بها الخسائر فى صفوف المجاهدين هذا الدافع هو الذى جعله يسعى ويسأل ويجرب حتى كتب له النجاح وكما يقولون الحاجة أم الإختراع , نعم انه الشاب نضال فرحات الذى لم يتجاوز عمره الثلاثون ربيعا , ولم يكن قائدا من القيادات ولم يمنعه ذلك من السعى الدؤوب لتحقيق مراده.
نعم تحتاج الجماعة الى التطوير والتحسين والتجويد فى الأداء ولكن هذا التطوير فىالإجراءات والوسائل والآليات والمسارات , ولكن لايعقل أن نطالب بتغيير المبادىء أو محاور العمل والأداء وإلا كان المطلوب تعديل وتغيير هذه الجماعة بجماعة أخرى ذات مبادىء مختلفة واهداف مختلفة ومحاور أداء مختلفة واعتقد أنه لايطلب هذا محب ولا منصف ولايجرؤ على التصريح به خصم عاقل , أما غير هؤلاء فقد ذهبو الى ماهو ابعد من ذلك ذهبو الى تاليب المجتمع وحشده ضد الجماعة وضغطوا بكل قواهم لإسقاط الجماعة سياسيا حين عجزو عن مواجهتها فى الميدان فنسبو اليها كل قبيح لم تفعله واستخدموا الاعلام لتزييف الحقائق واثارة الرأى العام فى الوقت الذى تحاصر فيه الجماعة اعلاميا وتمنع من أى منبر يصل الى الناس ولم تترك لك الا الفضاء الإلكترونى الذى لايطلع عليه الا ابناء الجماعة فقط وهو تحت ضغط مستمر وليس امام الجماعة خيارات كثيرة وهذا ليس مبررا للسكوت أو للتقوقع ولكن هذا يفرض على أبناء الجماعة وافرادها التفكير فى البدائل التى تخدم الدعوة بدلا من السعى المستمر الى النقد دون العمل والبناء . د/ انور حامد

استحقاقات المرحلة الراهنة

المرحلة الراهنة هى مرحلة صعبة وفارقة وخطيرة على مستوى العالم اجمع وعلى منطقتنا العربية وعلى منطقة الشرق الاوسط وخصوصا القضية الفلسطينية .
فعلى المستوى العالمى تضرب الازمة المالية اجناب العالم أجمع وخاصة القوة العظمى والوحيدة التى كانت تقود العالم أجمع الى حرب تركيع جبارة لاتبقى ولاتذر ( فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ) وهم الذين كانو يقسمون العالم الى أغنياء وفقراء ومتخلفون كدول العالم الثالث , وهم يتعاظمون بأموالهم التى نهبوها وحصلوها زورا وبهتانا وجمعوها من الحروب وتجارة السلاح للمتحاربين وشن الحروب نيابة عن المتخاصمين ( وكله بحسابه) وظنت أنها بماتملك من أموال واقتصاد قوى لاتحصى أرقامه أنهم قادرون على استعباد العالم وتركيعه ( وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ) وتغلغل اليهود والربا لعبتهم المفضلة فأقاموا الاقتصاد كله على دعائم الربا فعلا البنيان ولكن على غير أركان فانهار هذا البنيان مرة واحدة وتداعت تبعاته على كل المراهنين عليه والمرتبطين به .
على الجانب الاخر تزايدت حركة الاحتجاجات وزاد وعى الشعوب بحقوقها وان كانت دون المستوى المطلوب وازدادت الجرأة فى المطالبة بالحقوق والتعبير عن الغضب , وجنحت الحكومات مع حكامها بعيدا عن شعوبها وتدثرت بالفساد والتصقت وتترست بمراكز القوى من المفسدين واستخدموا قوة الجيش والشرطة لحمايتهم من شعوبهم بدلا من تسخير الجيش لحماية البلاد , وعلى أثر ذلك فقدت الشعوب الثقة تماما فى حكامها وحكوماتها وباتت تفكر فقط فى موعد رحيلها والبعض يفكر فى كيفية رحيلها , هذا الحال جعل الوضع غير مستقر فى معظم البلاد العربية والجميع ينتظر بين لحظة واخرى تغييرا سيطرأ فى موضع من المواضع وبلد من البلدان ... فهل سيحدث هذا قريبا ؟ وأين ؟ ومتى ؟
على جانب آخر وبخصوص التهدئة بين الفلسطينيين والصهاينة هل يمكن أن تتم ؟ وهل إذا حدثت سيلتزم بها الصهاينة ؟ وهل ستفتح المعابر ؟ التى يسيطر عليا اليهود !؟ وهل سيفتح معبر رفح ؟ وإذا لم تبرم التهدئة فمامصير معبر رفح ؟ هل تتجرأ الحكومة المصرية وتفتحه ؟ أم سيظل مغلقا تحت تذرعات أخرى ؟وهل يمكن أن تحدث مصالحة بين فتح وحماس؟ وهل ستقبل السلطة الفلسطينية بذلك ؟ وإذا قبلت فهل يقبل ذلك فريق الدحلانيين ؟ وهل من المعقول أن يقبل فريق رام الله بخيار المقاومة وهو الذى وقع على وثيقة لاستئصال المقاومة ؟
كل هذه الاسئلة وغيرها كثير يدور فى الفكر يبحث عن اجابة شافية , وتزداد الحيرة والبحث عن الاجابة كلما تحدث الفرقاء عن قرب الوصول الى مصالحة وعن الخطوات الايجابية التى اتخذت والتى فى الحقيقة لم يبنى على ارض الواقع منها شىء .
فى الواقع فإننى اتمنى أن تحدث التهدئة وأن تفتح المعابر وترفع المعاناة عن اخواننا فى كل فلسطين وليس فى غزة وحدها وان تحرر الارض , ولكن بين الامنية والواقع حدود ومسافات والام ومعاناة , حيث إننى أرى أن تحقيق التهدئة وقبول العدو له أمر صعب المنال رغم احتياج العدو له , لكنه يريد تهدئة ترفع اسهم العدو وتضعف موقف المقاومة , تريد تهدئة لاتلزمها بشىء ولاتكلفها فى ذات الوقت شىء وهذا لن يحدث ولن تقبل به المقاومة ,وبالتالى هم يريدون الان ان يطول زمن المفاوضات , لان الواقع الحالى ليس فى صالحهم واستمرار الوقت يعنى استمرار الحصار والمعاناة للشعب الفلسطينى, وهم يضغطون على الحكومات العربية وخاصة الوسيط المصرى من أجل الضغط على حماس وفصائل المقاومة لبقاء الوضع الراهن على ماهو عليه دون مزايدة او توتر لحين الوصول الى حل , فى الوقت الذى يرفضون فيه كل الحلول , والمعنى بقاء الحصار لحين إشعار آخر وفى هذا يحقق العدو بعضا من المكاسب التى عجز عن تحقيقها بالحرب حيث الوضع الان أكثر سوءا من ذى قبل وحجم الدمار مهول والوضع الانسانى صعب ممايزيد من المعاناة لدى المواطنين مماتعجز معه الحكومة الفلسطينية المقالة فى غزة من علاج الوضع لعل وعسى يتحرك الشعب الغزاوى ضد المقاومة وضد حماس وان لم يفعل فليتحمل الشعب الحصار جراء ذلك , كما أنه على الجانب الاخر تريد الحكومة الصهيونية الضغط زمنيا لافشال مؤتمر الاعمار لغزة المقرر عقدة فى الثانى من شهر مارس آزار المقبل .
وحتى لوحدثت تهدئة فلن يلتزم بها الصهاينة وستظل الخروقات والقتل والاعتقال والعمليات العسكرية , فى الوقت الذى ستطالب فيه الحكومات العربية حركات المقاومة بعدم الرد وتفويت الفرصة عليهم وعدم اطلاق الصواريخ دون ان يكون لهم تأثير على الصهاينة , حتى إذا ضاق الامر بالفلسطينين وقامو بالرد كانت اسرائيل على اتم الاستعداد لحرب جديدة ,ساعتها سيهب العرب جميعا لانتقاد المقاومة وسينعتونها بأبشع النعوت والالفاظ ,وعندها ستبدأ مرحلة جديدة من مراحل الصراع وحلقة من حلقات النصر لهذه الامة .
أما المعابر فالغالب عندى انها حتى لو تم الاتفاق على التهدئة فلن تفتح الاقليلا وحسب مايريد الصهاينة وهذا مابدا ظاهرا حين اشترطوا نسبة الفتح ب 80% وستبقى نسبة ال20% هى مسمار جحا الذى يتعللون به , واسرائيل التى لم تلتزم بقرار دولى , لن تلتزم باتفاق مع العرب ولا الفلسطينيين.
اما مصير معبر رفح فسيظل معلقا بالقرار الصهيونى من التهدئة وفتح المعابر , فإذا لم تقرر الحكومة الصهيونية الموافقة على فتح المعابر فلن يفتح معبر رفح والحجج والتعليلات جاهزة , كما أن معبر رفح يستخدم كوسيلة ضغط من سلطة رام الله والحكومة المصرية على فصائل المقاومة وحكومة غزة لتحقيق مكاسب فى حوار فتح مع حماس والفصائل.
أما موضوع المصالحة الفلسطينية فهو موضوع شائك وأرى أن تحقيقه يشبه المعجزات التى يتطلع اليها الجميع ,فالسلطة الفلسطينية لن تقبل بخيار المقاومة ولن تستطع الانحياز اليه ولا أدرى كيف يمكن أن يقبل بالمقاومة من ربط ورهن حياته العملية والسياسية بالعدو ؟ هل يقبل الحليف الصهيونى بمبدا المقاومة ؟ أقول وبكل أسف لا والف لا , إذا ماذا يحدث ؟ وماجدوى هذه الجلسات والمحاورات والمشاورات ؟ أقول هذه هى السياسة التى لايستطيع سياسى يفهم فى السياسة أن يرفض طلب الحوار والمصالحة والا كان امام الرأى العام هو الداعى الى الانقسام والفرقة , وبالتالى يخسر الراى العام وربما تكون نتائج هذه الخسائر هو خسارة الموقف برمته , بل ربما تاريخه السياسى , وستظل الجلسات والحوارات وقتا من الزمن مع التسريبات التى تتم الى الراى العام حتى تتاح الفرصة لإعلان فشل الحوار أو تحميله طرف من الاطراف , وهذه معركة أشبه ماتكون بمعركة عض الأصابع, وعندها ستعود المعادلة الى نقطة البداية مرة أخرى هذه النقطة تتغير عندها موازين القوى وتظهر قوى وتختفى أخرى , وبمعنى أدق سيستمر الصراع بين فصائل المقاومة وسلطة رام الله جولات وجولات حتى ينتهى هذا الجيل من الخانعين من سلطة رام الله ( ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا ).
كل هذه الاوضاع تفرض استحقاقات على الجميع ,استحقاقات يدفعها البعض وقد يحصلها فى أحيان أخرى , استحقاقات تضع الجميع على أهبة الاستعداد لتقليل الخسائر او لتعظيم المكاسب , استحقاقات تدفع البعض الى القمة وقد تهوى بآخرين الى القاع . ولنا بمشيئة الله عودة اخرى لتفصيل هذه الاستحقاقات . د/ انور حامد

المشهد الفلسطينى بعد أحداث غزة


لقد كانت الحرب على غزة كاشفة لكل المواقف وليس عجبا أن يطلق عليها أهل الرباط فى غزة معركة الفرقان لأنها كانت فارقة فى كل شىء وفرقت بين مرحلتين متباينتين , وبعثت هذه الحرب برسائل إلى الجميع واتضحت المواقف ولابد للجميع أن يعيد حساباته وفق هذه المواقف الجديدة .

أولا : أهل الرباط فى غزة وفلسطين:

تحية إكبار وإعزاز لكم لثباتكم وصمودكم وفهمكم لقضيتكم وطبيعة المعركة مع العدو فلم تتنكبوا الطريق ولم تنشغلوا بشىء غير العدو وأذكركم :
أنكم أهل الرباط والطائفة المنصورة وأنكم قاهرين لعدوكم ولن يتمكن منكم العدو إلا بما يصيبكم من لأواء :عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين , لعدوهم قاهرين , لايضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك , قالوا وأين هم ؟ قال : ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس ) أخرجه عبدالله بن الإمام أحمد والطبراني في الكبير.
أن أرض فلسطين هى أرض المحشر والمنشر ،كما روی عن الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث الشريف : ( يا رسول الله أفتنا فی بيت المقدس ؟ قال : أرض المحشر والمنشر. ائتوه فصلوا فيه, فإن صلاة فيه كألف صلاة فی غيره قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه ؟ قال: فتهدی له زيتا يسرج فيه, فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه ) ( الراوی: ميمونة بنت سعد مولاة النبی : حديث صحيح ).
أن المعركة لم تنتهى لأن الحبيب المصطفى قال " حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك" ولكن العبرة بالنهاية فأنتم المنتصرون فاثبتوا على ذلك ومعركة الحياة والبناء والإعمار أصعب من المعركة العسكرية .
أن الحرب رغم آلامها وجراحها إلا أن لله أمور يبديها ولايبتديها ولكن لله فيها ترتيب آخر لايعلمه كثير من الناس فلقد أعادت الحرب القضية الفلسطينية إلى الوجود مرة أخرى بعد أن كانت تراوح بين الموت والموات , وكسبت القضية تعاطفا دوليا من الشعوب قبل الحكومات .
لاتعولوا على الحكام العرب ولاتربطوا قضيتكم بهم فإنهم لايملكون من أمرهم شيئا ومصيرهم إلى الزوال ولكن راهنوا على الشعوب وهى مازالت حية تنبض بالحراك وهذا هو المكسب الحقيقى من مكاسب الحرب.
لاتنزعجوا من السلطة الفلسطينية وتصرفاتها فهى مقهورة على أمرها وسارت فى طريق التنازلات لمرحلة لاتملك فيها التراجع ( فقد اعترفت بالعدو وألغت خيار المقاومة ووقعت على محاربته ووافقت على خيار تسوية القضية بالشروط الصهيونية ) وبالتالى لو فكرت فى تغيير موقفها فسيكون مصيرها أشد قسوة من مصير الراحل ياسر عرفات , وهم بالتالى يدركون بأنهم أمام خيارين لاثالث لهما خيار الموت بأى وسيلة والحصار والإعتقال والإعدام كمصير صدام أو الخيار الآخر وهو تنفيذ الإملاءات الصهيونية .

ثانيا :حركات المقاومة فى غزة :

وعلى رأسهم حركة حماس أحييهم وأشد على أيديهم وأقول لهم أعلم جيدا أن ميدان القول غير ميدان العمل أو كما يقول المثل العامى ( اللى ايده ف المية غير اللى ايده ف النار )
وأعلم أن الوضع صعب بل فى غاية الصعوبة ولكن أعلم وأنا على يقين أنكم أهل لذلك وأنكم كما دحرتم العدو فانتم قادرون على تحدى الصعاب وبعد النصر تأتى مرحلة جنى الثمار وهذه المرحلة تدور معها رحى المعركة السياسية التى لاتقل شأوا عن المعركة العسكرية وتحتاج إلى الدعم والإسناد دبلوماسيا واعلاميا وتلك معارك أخرى تدور رحاها أيضا وقد تابعت بانبهار المجاهدين البواسل وهم يخوضون هذه المعارك جميعا فى آن واحد ويحققون النجاح تلو النجاح مع أن المعركة السياسية والإعلامية والدبلوماسية تتدخل فيها عوامل عدة وأطراف عديدة مما يجعل المعركة أكثر صعوبة وميادينها كثيرة ومتنوعة وجبهاتها عديدة وذلك يتطلب جهود أكبر ومتابعة حية وترقبا لكل مايقال ومايكتب ومايعرض بدون استثناء مع التحليل والرد المناسب فى التوقيت الأنسب وعدم الإلتفات إلى القضايا الجانبية والمعارك الكلامية.
ولتعلموا أن القوة السياسية فى مواقفها تستند أساسا على ماتحققونه أنتم على الأرض ولولا ثباتكم وصمودكم لتغيرت الأمور سياسيا وميدانيا وجغرافيا ولما استقبلت العواصم العربية قياداتكم كمفاوضين وهم الذين كانوا يتمنون لكم الفناء والزوال, فأنتم مصدر القوة والعزة فلا تتخلوا عنها فتسلحوا بالإيمان بالله وخذوا بكل أسباب القوة وطوروا أساليبها لتتناسب كقوة تردع العدو عن الاستخفاف بدمائنا .

ثالثا/القيادة السياسية للمقاومة :

اهنئكم بالنصر وبالحنكة فى إدارة المعركة وبنجاحكم فى توحيد صفوف الفصائل المقاومة فى خندق واحد وأدعوا الله لكم بالثبات والتصر فى المعركة السياسية والدبلوماسية ولايفوتنكم أن تنوعوا خطابكم بتنوع المخاطب ولا تجملوا فى الخطاب بين الفرقاء ومن ذلك أن يكون العدو الصهيونى فى رأس حربة الخطاب ولا يجب أن يشرك معه مؤيدوه ومساعدوه فى الخطاب.
وأن نتجنب الرد على الأشخاص مهما كانت اعمالهم وعمالتهم واضحة وأى كانت تصريحاتهم سيئة بل يجب التركيز على القضية الرئيسية والدبلوماسية الكلامية التى تمنع من الوقوع فى الفخ الاعلامى والإنجرار وراء الحرب الكلامية والتجريح الشخصى الذى لايخدم القضية بل يضرها .
ثالثا : شرفاء حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية
إن تاريخم النضالى لايسمح لكم بتغيير مواقفكم والتضحية بثوابت القضية الفلسطينية فلم يعد فى العمر بقية تسمح بالبيع والشراء وإننى أدعوكم الى النظر إلى تاريخكم النضالى ومصيره وهل ستختمون حياتكم بالتفريط فى القضية للعدو , أدعوكم إلى العودة الى خطبكم التى القيتموها والكتابات التى كتبتموها لعلكم تتذكرون وتعودون الى مواقفكم السابقة

رابعا : السلطة الفلسطينية :

إن من باع قضيته لعدوه خسر شعبه ولم يأمن غدر عدوه , وأنتم لم تعتبروا من سلفكم ولا من التاريخ ولم تذاكروا الجغرافيا جيدا ودخلتم السياسة من نفق ضيق يسير من ضيق الى أضيق من أعلى إلى أسفل ينتهى إلى الهاوية ولذلك انتم فى مرحلة انتحار سياسى وضعتم انفسكم بين مطرقة العدو وسندان المقاومة , ومع هذا الوضع الصعب الذى وضعتم انفسكم فيه ومع السعى المحموم من بعض الأنظمة العربية وبعض الدول الغربية لإخراجكم من هذا النفق وانقاذكم من مهاوى الردى تبدوا هذه المهمة صعبة بل شبه مستحيلة فتدبروا امركم.

خامسا: الأنظمة العربية

لستم على استعداد لتغيير مبادئكم , ونهجكم اللادينى فى الحكم والسياسة يدفع بكم الى معاداة كل منهج اسلامى والتحالف مع أى منهج يتقاطع مع المنهج الإسلامى حتى لو كان اليهود , ويظل البقاء فى الحكم أطول فترة ممكنة , وعدم الاستعداد لخوض أى معركة من المعارك مع العدو حتى لو كانت سياسية وكلامية أو دبلوماسية فضلا عن الحرب العسكرية, هو خياركم الأول والأخير حتى لو كان الثمن الشعوب والأمة, ومع ذلك تخوضون معارك اعلامية حامية الوطيس مع كل ماهو اسلامى بمناسبة وبغير مناسبة ومعارك أمنية مع المعارضة وتحالف غريب وعجيب مع الفساد والعدو ,ولذا اقول لكم إن دوام الحال من المحال وسيذهب العدو ويذهب الفساد وسترحلون عن كراسيكم طوعا أو كرها ولكن الويل لكم من ثورة الشعوب فى الدنيا ومن عقاب الله فى الاخرة وستبقى البلاد والشعوب فمن انحاز لشعبه ربح نفسه وشعبه وأمن حكمه ومن راهن على غير ذلك كانت نهايته غير مأمونة العواقب, فراهنوا على خيارات الشعوب لتضمنوا البقاء .

سادسا / الشعوب العربية والإسلامية:

لابد من ادراك الواقع الذى تعيش فيه الأمة جيدا وقراءة الخريطة الجغرافية والسياسية ومعرفة جوانب الضعف والقوة فى هذه الأمة وأن القوة ليست عتادا وسلاحا وجيش وشرطة فقط ولكن هناك مفاهيم أخرى للقوة منها القوة السياسية والقوة الدبلوماسية والقوة الإعلامية وقوة الشعوب وهذه الأخيرة قوة رهيبة بغير سلاح تستطيع أن تهزم جيوش وتغير نظم حكم وتفرض واقعا بدون اراقة دماء هذه القوة لجأ اليها غاندى فى الهند ضد الإحتلال الانجليزى وأجبره على الرحيل , ولجأ اليها مانديلا وحرر جنوب افريقيا من البريطانيين البيض ولها صور متعددة منها المقاطعة ومنها التظاهر ومنها العصيان المدنى ووو ولكن اساس نجاح هذه القوة هو توحدها على وسيلة وهدف واحد فقوة الجماهير فى توحدها لذلك تسعى الحكومات إلى تقويض هذه الوحدة أولا بأول .
لذلك ادعو الشعوب والجماهير إلى إعادة النظر فى مظاهر قوتها واستثمارها وعدم الهزيمة نفسيا أمام الحكام وبطشهم , ولا تفقدوا الأمل فى التغيير والإصلاح نتيجة تجبر الحكام لأن التغيير مرهون بالشعوب لا بالحكومات فقط كيفية تفعيل واستثمار هذه القوة وأول خطوات الإستثمار والتفعيل هو الوعى السياسى للشعوب والإيجابية التى تدفع الجميع للتحرك والرغبة فى التغيير.
قضية غزة هى قلب قضية فلسطين وهى قضية المسلمين وليس قضية أهل غزة كما أن فلسطين هى قلب الأمن القومى للعرب والدفاع عن فلسطين دفاع عن الأمة بأسرها وخبراء الأمن القومى والعسكريون يدركون ذلك جيدا بعضهم تكلم عن ذلك والبعض الآخر سيتكلم بعد فوات الأوان , فلتقل الشعوب كلمتها قبل فوات الأوان. د/ انور حامد