كلمة التوريث فى عالمنا المعاصر اصبحت لها مدلول خاص يشى بالتملك والاحتكار للسلطة والحكم والنفوذ , وكل حديث عن التوريث يذهب الخيال معه الى توريث الحكم ومعادلاته , لكن التوريث عند الاخوان له مدلول آخر , حيث المقصود هنا هو التوريث الدعوى وليس توريث منصب أو مكانه ونظرا لأنه لاتوجد مناصب عند الإخوان بل مسئوليات وتبعات من هنا كان المعنى من التوريث يختلف تماما عما يدور فى خلد القارىء .
فالتوريث عند الاخوان توريث هموم دعوية وتبعات أمه مهيضة الجناح مسلوبة الإرادة يراد لها أن تتوارى عن جغرافيا البشر ومن ذاكرة التاريخ , ومعه تصبح التبعة على عاتق المصلحين من الإخوان وغيرهم ثقيلة لإعادة هذه الأمة الى سابق عزها ومجدها , ولإنتزاع الحرية المسلوبة من قبل الحكام الى شعوب هذه الأمة التى عانت قرونا من قهر الحكام واستبدادهم .
التوريث عند الاخوان يعنى تتابع الأجيال وتراكم الخبرات وتجنب العثرات ( حتى لايلدغ المؤمن من جحر مرتين ) ولهذا يدرك الإخوان وخاصة شباب الإخوان قيمة شيوخ الجماعة وأصحاب الخبرات الطويلة فى الدعوة والحياة ومعترك السياسة ,كثير من الناس ينادى على قيادات الجماعة أن افسحوا الباب للشباب فهم الأقدر على فهم متطلبات العصر ويقولون لكل عصر رجاله وهذا العصر لايصلح له إلا الشباب , وأقول لهؤلاء وهؤلاء إن جماعة الإخوان تدرك تماما قيمة الشباب لديها كما أنها لاتغفل مكانة الشيوخ وقدرهم , جماعة تدرك أن الشباب هم المستقبل , هم الغد المشرق لهذه الدعوة فهى لاتبخل عليهم بالإعداد والتهيئة ونقل الخبرات وتوريثها لهم من قبل اصحاب الخبرات والتجارب فى الجماعة من شيوخها , وتدرك قوى الشر والفساد أهمية ذلك جيدا فتسعى جاهدة للحيلولة بين شباب الجماعة وقياداتها , أنها تريد أن تعرقل التوريث عند الإخوان فى الوقت الذى تسعى فيه بكل قواها لإقرار توريث الحكم والسلطان ( حلال على بلابله الدوح حرام على الطير من كل جنس ) .
ولهذا يدرك الإخوان جيدا قيمة وقدر شيوخهم وعلمائهم ويقدرون خبراتهم وما اكتسبوه يسابقون الليل بالنهار , ويتخطون الحواجز تلو الحواجز والعقبات تلو العقبات من أجل توريث هذه الدعوة الى الأجيال الصاعدة والفتية الناشئة ليبنى اللاحق على السابق ليستكمل البناء.
لقد هلل القوم وطبلوا وطنطنوا كثيرا حول حديث فضيلة المرشد عن تصريحه بالإكتفاء بفترة واحدة فى موقعه ليترك المجال لغيره من قيادات الجماعة يختارون من يصلح لهذه المهمة فى هذه الفترة ولا ادرى سببا لهذه الطنطنة لن هذا التصريح ليس بجديد وقيل قبل ذلك منذ ثلاث سنوات فلماذا الحديث عنه اليوم ومايعيب فى ذلك , اليس هذا من مفاخر الإخوان انهم لايحتكرون مكانة ويؤمنون بالشورى ويتماشون مع الديمقراطية ممارسة وتطبيقا ,( لقد كان عنترة بن شداد فارس لايبارى فلما لم يجدوا فيه شيئا يعاب عيًروه بلونه السمر , فقال : لإن أك أسمر فالمسك لونى ) وتبارى القوم فى النفخ فى الحديث وجدية الإلتزام به والمراهنة على التراجع عنه , وقام نفر من شباب الإخوان يهللون للحديث والتصريح كأنهم لأول مرة يسمعوه أو لكأنهم فوجئوا به ومن شدة اندهاشهم تمنوا على فضيلة المرشد أن يفى بوعده حتى لاتصدق مراهنات القوم , ولا اكتمكم حديثا أننى اصابنى ضيق شديد عند قراءتى لتحليلات شباب الآخوان وتهليلهم للخبر ليس لأنى لاأريد التغيير .. أبدا .. بل أنا من أكثر المشجعين للتغيير والساعين إليه ولكن حزنى على الشباب أنهم لاينطلقون فى رؤاهم من منطلقاتهم هم ولا من منطلقات وأبجديات الجماعة ولائحتها حين ننادى بتطبيقها والإلتزام بها أو إلى تفعيل الشورى وإنضاجها وهذا كله دعما لمسيرة الدعوة والجماعة ودفعا لها للأمام ولكن الشباب انطلقوا من منطلقات القوم بأحقادها وخصوماتها وراحوا يبنون عليها رؤاهم وأمنياتهم حتى خيل الى وأنا أقرأ المقالات أن الشباب قد ضاقوا ذرعا بفضيلة المرشد وسياسته ففرحوا بحديثه عن عدم قبول المهمة مرة أخرى , رغم علمى ويقينى أنهم أبدا ماأرادوا ذلك ولا دار بخلدهم يوما وأنهم يقدرون لفضيلة المرشد قدره ودوره المؤثر والحراك الكبير الذى أحدثه للدعوة والجماعة منذ توليه المسئولية , وهو الرجل الذى لاأزكيه على الله وهو من ترك حياة النعيم وركوب الخيل والعيش فى السرايا لينضم الى ركب الدعوة يجاهد فى سبيل اعلاء راية الدعوة ويقبل فى سبيل ذلك أن يدفع حياته ثمنا لدعوته ودينه فيحكم عليه بالإعدام فى قضية سيد قطب ليخفف الى عشرون عاما قضاها خلف قضبان الظلم محتسبا ذلك كله لله ليخرج أصلب عودا وأكثر همة ونشاطا يجوب العالم مشرقا ومغربا يقود معسكرات الشباب والمراكز الاسلامية لايخشى فى الله لومة لائم وصدق الأستاذ الدكتور محمد حبيب وهو يتحدث عنه حيث قال :( إن فضيلة المرشد كالفارس الذى امتطى جوادا وأسرع به ونحن نقول له رويدا ..رويدا بنا أستاذنا ..).
إن الإخوان لايرثون ولايورثون مكانة ولا وضعا معينا يرغبون فيه, لكنهم يورثون خبراتهم الدعوية لأبنائهم الدعاة الذين يحملون الراية من بعدهم لأنهم يؤمنون وينطلقون من قول النبى الأعظم صلى الله عليه وسلم " العلماء ورثة الأنبياء , وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ".
فيا شباب الإخوان تزودوا برصيد الخبرة وعلم الدعوة وعملها من شيوخ الإخوان الكبار لاتدعوا فرصة تمر دون أن تترددوا اليهم لتنهلوا منهم , إننا حين نقرأ خبرا عن وفاة أحدهم ولم يسطر خبراته فى كتاب ولم تسجل له حلقات ولم تجر معه حوارات أحزن أشد الحزن , لقد تطورت تقنيات وتكنولوجيا العصر بما يسمح وببساطة من زيارة أحدهم واجراء حوار معه وبثه الى العالم أجمع وليصبح هذا العمل أرشيفا ورصيدا يلجأ اليه من يشاء وقتما يشاء فى أى مكان شاء وهذا هو العلم النافع الذى ينتفع به وأنتم أقدر الناس معشر الشباب على هذا فلا تبخلوا على دعوتكم بهذا العمل العظيم دون عناء أو تعب ودون تبعات او عراقيل ادارية , كما أنه زيادة فى رصيد حسناتكم , إن هناك نماذج من حكاياتهم أغرب من الخيال , ولم نسمع عنها الا من خلال كتب التابعين والسلف الصالح وهى نماذج مازالت على قيد الحياة فبادرو اليهم وخذوا عنهم لترثوا العلم والهمة والعمل لدعوة الله .
وفقكم الله وسدد خطاكم د/ انور حامد
0 تعليقات الزائرين:
إرسال تعليق