التغيير والاصلاح مشروع أجيال


اثناء انتخابات 2005 لمجلس الشعب خرج أحد المناصرين للحزب الحاكم يصيح فى جمهور الحاضرين بأعلى صوته "....لاتنتخبوا الاسلاميين ولاتعطوهم أصواتكم لأن الطريق امامهم مغلقة ,والمصالح لن تتم عن طريقهم ....سكتهم مقفولة !!!!سكتهم مقفولة!!! ...." وانتهت الانتخابات ونجح الاخوان بشعارهم الاسلام هو الحل وما أن نجحوا حتى كانت التعليمات للأجهزة التنفيذية بعدم التعاون معهم والامتناع عن تنفيذ او قضاء أى مصلحة للشعب عن طريق نواب الاخوان , ومعها بدأت مراحل الصراع المختلفة , وحلبات النزال المتعددة , وكأن الحكومة بأغلبيتها الميكانيكية ليست مسئولة عن الشعب ومصالحه ويريدون أن يعاقبوا الشعب على اختياره , لتعلن الجماهير أنها تابت وانابت عن فعلتها وأنه إذا كان نواب الحكومة ينهبون مقدرات البلد ويرعون الفساد إلا أنهم قد يلقون للبعض من الناس الفتات وهذا فى نظرهم خير من الحرمان على يدى الاخوان !؟, ومع الجهد المبذول من السادة النواب تشريعيا وخدماتيا للجماهير واقليميا لخدمة القضايا الاقليمية (وهو جهد لايقدر عليه الا أولو البأس والعزم من الرجال ) ومع تركهم لمصالحهم الحياتية وتضحياتهم العظيمة الا ان الكثير من الناس لايرى ذلك كافيا , " والناس معذورة "لكن تنادى البعض من ابناء الدعوة الاسلامية ومن شباب الاخوان عن الجدوى من تكرار هذه التجربة بتضحياتها رغم نتائجها غير المرضية والغير متناسبة مع التضحيات مع عدم شعور الجماهير بالجهد المبذول.

لاادرى لماذا طفت هذه الأحداث على مخيلتى وأنا أتابع أحداث الواقع الفلسطينى بتداعياته المختلفة عبر مراحله المتعددة , فحين كانت حركات التحرر الفلسطينى تقاتل فى جنوب لبنان فى الثمانينات كانت رؤية بعض الجبهات العربية وبعض الحركات السياسية والسياسية المسلحة فى لبنان أن هذا العمل جنون وانتحار بل فضل بعضهم العمل مع الصهاينة وقاتل مع العدو جنبا الى جنب انبثاقا من رؤيته لسياسة الأمر الواقع فى رؤيته من زاوية ضيقة لحلقة من حلقات الصراع , وفى المقابل كانت هناك رؤيا أشمل لمراحل الصراع المختلفة تبنتها فصائل المقاومة تقوم على مبدأ تحرير البلاد بالمقاومة والسلاح , فى الوقت الذى تراجعت فيه بعض الحركات عن المقاومة واختارت طريق المفاوضات والحل السلمى مع العدو وبعد عشرون عاما من العمل تراجع فيها المفاوضون وتقدموا ولم يحصلوا على ارض الواقع على شىء يذكر, فى الوقت الذى نجحت فيه المقاومة على اجبار العدو على الرحيل من جنوب لبنان ثم من قطاع غزة .

على الجانب الاخر كان العدو الصهيونى ومن معه يدركون أن قيام كيان لهم لن يتم عبر جيل واحد كما أن تغيير قناعات العرب والمسلمين لابد أن تتم عبر أجيال متتالية ولكل مرحلة عندهم لها آلياتها وتكتيكاتها كما أن الصراع له محاور متعددة وكلها يجب ان تسير جنبا الى جنب فالقوة العسكرية تتدخل فى اللحظات الحاسمة لضعف الامة العربية والاسلامية لفرض واقع على الارض , وحين يثور الناس وتتعقد الامور تتدخل القوة الناعمة قوة السياسة لتكسب واقعا قانونيا واعترافا دوليا حتى وان كان اصل القضية باطل, و حين تأخذ السياسة مجراها تساندها القوة الدبلوماسية لإيجاد عامل ضغط فى المحافل الدولية واكتساب علاقات جديدة تدعم الوضع القانونى وتعزز الوضع العسكرى على الأرض , وعند البعض تتحرك لغة المصالح والمنافع الشخصية فى النفوس ويغلف ذلك كله المعركة الاعلامية للتأثير المعنوى ايجابا وسلبا لدى الاتباع والخصوم.لذلك قام كيانهم على مراحل بلغت 100 سنة ولم يكتب له الاستقرار بعد ( ولن يكتب بإذن الله ) وهم يدركون ذلك جيدا لكنهم ماضون كل يؤدى دوره حتى يترك موقعه اوينقضى اجله ليكمل غيره الدور كحلقة فى سلسلة ولا يتعجلون لذلك ينجحون .
أما نحن ونحن امة التخطيط والنظر للمستقبل , امة تزرع فى الدنيا لتحصد النتائج فى الاخرة , تعمل فى الحاضر الملموس وتنتظر النتيجة من عالم الغيب , ورغم ذلك لا تحسن النظر الى المستقبل البعيد أو القريب ويصيب الناس لون من فقدان الأمل على الرغم من أن النزال مراحل وليس مرحلة واحدة هذه المراحل قد تتجاوز أعمار أجيال الى اجيال أخرى وكان الأولى أن نكون نحن أحق بهذا الفهم والوضوح من غيرنا حتى نستطيع تحقيق الأهداف الكبرى.
الدول الكبرى التى جعلت السيطرة على مقدرات الشعوب أحد مهامها وأهدافها لاتتغير لديها هذه الأهداف بتغير الحكومات رغم اختلاف التوجهات والمناهج لكل حكومة سواء حكومة يمين او وسط أو يسار جمهوريون أوديمقراطيون إصلاحيون أومحافظون والكل يبنى على سابقة ويعمل على تحقيق نفس الاهداف وان اختلفت الوسائل , لقد تغيرت الادارة الاميريكية وجاءت بشعار التغيير ولكن موقفها من اسرائيل والسودان وإيران وكوريا الشمالية لم يتغير رغم أن هذه المواقف تبنى على سياسة الكيل بمكيالين , ورغم أن هذه الحكومات تتشدق بالديمقراطية وتدعى رعايتها لحقوق الانسان .
فهل آن لنا أن ندرك أن الصراع مراحل ممتده , وله سيناريوهات متعددة ويمر عبر أجيال متتالية وان الأمة التى تراجعت لعدة قرون لن تعود الى المجد فى عقد من الزمان بل فى عقود وعلينا أن نفكر بطريقة استراتيجية بعيدة المدى ونرسم خطواتنا على برامج وسياسات لاترتبط بالأشخاص ولا تتاثر بغيابهم , ولكن من خلال نظام للعمل التراكمى تتضافرفيه الجهود وتنجز الاعمال وتتحقق الاهداف, اننا بحاجة الى من يرقب بعينه المستقبل البعيد ويمسك بيدة المستقبل القريب , ويجمع بين جوانح نفسه هموم امته فيقدمها على مطامحه الشخصية .