أفكار وخواطر:

نقد الإخوان بين المباح والمتاح والمناخ

النقد فى كل الأحوال مفيد حتى وإن كان مغرضا وهو ظاهرة صحية حتى لو لم يكن منصفا وهذه ليست دعوة لعدم الإنصاف فى النقد أو تبرير لأصحاب الأغراض ولكن هى دعوة لقبول النقد كمبدأ وعدم محاربته ومهاجمته لخلل فى الأسلوب أو عيب فى الأداء أو لإستغلاله من مغرض .
حتمية النقد
والنقد سمة من سمات المجتمعات بمختلف ثقافاتها ( وقال نسوة فى المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا ..) .... وانتقالا إلى المجتمعات المتماسكة والعائلات فى القرى والأرياف من انتقاد للسلوكيات والتصرفات الغير سوية وقد يتدخل الغرض والهوى والحقد والحسد ليحول النقد إلى إشاعة مغرضة ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لعنوا فى الدنيا والآخرة ...).. (وفيكم سماعون لهم ...) ولا شك أن هذا النقد بخيره وشره يدفع الناس إلى الإحتياط فى تصرفاتهم والإمتناع عن الكثير من السلوكيات مخافة النقد .
ثم يأتى النقد لكل ماهو جديد على المجتمع حتى وإن كان مفيداً ومنها كان الإعتراض على الرسل والرسالات ( وقالوا مالهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ....) .....( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ...) ومنها الإعتراض على أصحاب التغيير ومناهجهم ( قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ...) ...( قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ..) وكذلك كل صاحب منهج إصلاحى ومنهم الإخوان وكل الحركات الإسلامية والإصلاحية فالنقد لهم والإعتراض عليهم حتمية لابد منها ولافكاك عنها .
وبالنقد تتمايز الأفكار فمهاجمة المغرضين للفكرة من دلائل صحتها واستقامتها وكم استفادت الحركة الإسلامية عموما والإخوان خصوصاً من هجوم ونقد المغرضين "فإن الله إذا أراد نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حقود "
وبالنقد ترتقى الحركة وتتقدم وتتقن وتجود منتجها كما قال الشاعر هم عايبونى فاكتشفت ذلتى *** وهم نافسونى فاكتسبت المعاليا
المباح من النقد
مما لاشك فيه ولا جدال معه أن حتمية النقد لا تعنى إباحته على الإطلاق فالنقد المباح هو النقد البناء الذى يتناول العموميات لا الخصوصيات والسياسات العامة لا الهيئات والأشخاص وهذا هو نهج الإسلام الذى نهى عن تتبع العورات ( فإن من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته وكاد يفضحه ....) الحديث وهذا ما جعله الإمام البنا شعارا عاما ومبدا من مبادىء الإخوان حين نهى عن تجريح الهيئات والأشخاص وموقفه من نقد كتاب الدكتور طه حسين أبلغ دليل وهذا ما حث عليه القرآن ( وجادلهم بالتى هى أحسن ..) .. وندبنا إلى إحسان القول ( وقل لعبادى يقولوا التى هى أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم ..) ونهى عن فحش القول (لقول الرسول الكريم ليس المسلم بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذىء ) ويباح نقد السلوكيات للأفراد أو الجماعات دون الإشارة إلى أسمائهم أو مواقعهم إلا أن يكون شخصية عامة يستغل موقعه فى فجره وفساده ويعلنه على الملأ يتباهى به هنا ينطبق عليه قول النبى "ص" (هتكوا الفاجر حتى يعوفه الناس فلا يتبعوه ..) الحديث مع أن الأصل فى الإسلام الستر والله سبحانه وتعالى ستير على عباده يمهل ويستر ولا يفضح "" اللهم اغفر ذنوبا سترتها واستر عيوباً لايعلمها الناس وعلمتها لا"" .
النقد المتاح
الأصل كما قلنا الستر والإمساك عن السان ( أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك ) , وليس كل مايعرف يقال , وأيضاً لكل مقام مقال وهنا تتجلى حدود وآداب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, فما يقال من الأب للإبن يخلف عما يقوله الإبن للأب وكذلك مايقوله الإبن الأصغر للأخ الأكبر ومايقوله الموظف لرئيسه فى العمل يختلف عما يقوله الموظف لزميله وهكذا ... ولقد أغلظ يوما أحد العلماء على الحجاج فى القول والنصيحة فلقنه الحجاج درسا لاينسى " ياهذا لقد أرسل الله من هو أتقى منك لمن عو أفجر منى أرسل موسى إلى فرعون فقال له ( فقولا له قولا ليناً لعله يتذكر أو يخشى) ولا يصح لكل من امتلك منبراً أن يقول مايشاء لأن الكلمة أمانة ومسئولية وما من كاتب إلا سيفنى ويبقى الدهر ماكتبت يداه فلا تكتب بإيدك غير شىء يسرك فى القيامة أن تراه .
مناخ النقد
على المسلم أن يكون بصيرا بزمانه ومكانه مدركا لكل مايدور حوله حتى لاتستغل الكلمات كما قال سيدنا على للخوارج ( كلمة حق أريد بها باطل ) ولقد هوجم الرسول "ص" فى عرضة وشرفه وكشف الحق سبحانه حقيقة الأمر وفضح صاحب الإشاعة والغرض وكان ذلك بعد تسعة عشر أو عشرين عاما من البعثة أى بعد اكتمال الأحكام والتشريعات ولكن لم يكن المناخ العام الملىء بالمنافقين وأصحاب الغرض والهوى مع وجود ضعاف النفوس من المسلمين ( وفيكم سماعون لهم..) فقال قولته المشهورة ( أتريد أن يحدث العرب بعضهم بعضاً أن محمداً يقتل أصحابه ) وذلك حين سئل عن إقامة الحد على صاحب الإشاعة ومروجها ,
ومن هنا وجب على كل صاحب قلم ورأى أن يدرك أن :
ألا يتوقف عن النقد فالنقد حياة للفكرة وإستقامة للنهج ويتميز الخبيث من الطيب وتنشر الفضائل وتعرف الرذائل
وألا يتعرض للأشخاص أو الهيئات ولا يفضح الخصوصيات ولا ينتهكها
وأن يتحرى حدود وآداب النقد والمباح منه
وأن يراعى المناخ العام من حوله حتى لايستغل رأيه ولا يراد بكلامه غير ما يريد ولا ينتفع صاحب غرض أو هوى من النقد
د/ أنور حامد

0 تعليقات الزائرين: