إلى شباب الإخوان ( 2 )
لقد أحدثت الرسالة الأولى لدى شباب الإخوان ردود فعل إيجابية للغاية تلقيت على أثرها رسائل منحتنى دافعا قوياً للتواصل وإكمال المشوار وحيث أن الرسالة الأولى كانت تذكٍر الشباب بمكانتهم العظيمة فى الأمة كلها وفى دعوة الإخوان على وجه الخصوص وعند قيادة الجماعة على وجه التحديد , لذلك فإن رسالة اليوم تحمل لكم عبق الحب لكى نخطوسوياً خطوات أعمق نحو التغيير ...... كيف ؟
بداية إذا أردنا أن نغير من حولنا ونغير غيرنا فعلينا أن ندرك بيقين يملؤنا :
*أننا أولا وقبل كل شىء نملك القدرة على التغيير وأننا نملك أدوات التغيير لأن فاقد الشىء لا يعطيه وفاقد الثقة فى نفسه وما يملك لايستطيع أن يستخدم ما لديه .
* إذا قررت أن تبدأ التغيير فلا تسأل نفسك " ماذا أريد أن أغيٍر " ..... " ولكن اسأل نفسك " ماذا أريد أن أنجزه من التغيير ".
* عليك أن تدرك أنك ليس مطلوباً منك أن تقوم بأعمال ومهام غير عادية ولا تطلب من غيرك ذلك ولكن عليك أن تقوم بأعمالك ومهامك العادية بصورة غير عادية وعندها سيلتفت إليك كل من حولك وهذه من أهم خطوات التغيير .
* عليك أن تدرك عزيزى الشاب أن التغيير يحتاج منك أن تغامر وتخاطر فإنه من لايخاطر بشىء لايفعل شىء وأكبر مخاطرة ضدك هى ألا تخاطر وقديما قالوا فى الأمثال عن التجارة " اللى مالوش قلب – يعنى جرىء – مالوش رزق" .
* وعليك أيضا أن تملأقلبك يقيناً بأنك لاتعمل لسد الفراغ ولا لإنجاز بعض الأعمال ولكن عليك أن تكون مبدعاً ودقيقاً وهادفاً واجعل هذا شعارك .
*كذلك عليك أن تدرك أنك لاتستطيع أن تغير شخصاً مثلك ولكن كل ماتستطيعه هو تغيير أفكاره ُثم هو يغير نفسه بنفسه بعد ذلك , ( فأنت تمنح الآخرين القدرة على التغيير حين تستطيع أن تمنحهم طريق التغيير وفوائده ).
* إعلم أخى الشاب أن كل واحد منا له دائما سببان للتغيير أوللتحرك لفعل أى شىء :
السبب الأول منطقى وهو سبب متغير لأنه مرتبط بالآخرين الذين تحاول دائما إقناعهم بوجهة نظرك , مثلاً حين ترى شاباً مستهترا ينتهك حرمات وأعراض الآخرين وتريد أن تنهاه عن فعله فالسبب المنطقى هو " حرصك عليه أو حبك له أو علاقتك به وهنا قد تمتنع أو تتوقف عن التغيير حرصاً على علاقتك به أو انقلابه عليك أو وجود مصلحة بينكما أو خوفاً من ضياع مصلحة أو حدوث ضرر .
والسبب الثانى حقيقى لايتغير لأنه مرتبط بك أنت مثلاً كما فى المثال السابق يكون السبب الحقيقى هو " الدين " الذى يدفعك إلى النهى عن المنكر وإلى الدعوة إلى الخير, لذلك عليك التركيز على السبب الحقيقى مع إهمال السبب المنطقى .
*لاتحتفظ بأفكارك لأن الفكرة الكامنة مهما كانت قوتها وتأثيرها لاتغير من الواقع أو الوجود شىء مالم تتحول إلى التطبيق , ولقد ظلت فكرة النسبية لأينشتاين التى ظهرت عام 1914 , ظلت كامنة فى الكتب وحين خرجت للوجود والتطبيق على أيدى الحلفاءعام 1945 مكنتهم من الإنتصار فى الحرب بإنتاج القنبلة الذرية.
*إعطى أفكارك وتناقلها بين ثلاثة :
الأول لنفسك لتطورها وتزيدها وضوحاً.
والثانى للأشخاص المؤثرين الذين يستطيعون نقل الأفكار من النظرية للتطبيق.
والثالث للأشخاص المتأثرين بالفكرة المستفيدون من تطبيقها
· وعليك أن تدرك أن التفكير السليم يبدا بشكل قصدى وعمداً وليس بشكل عشوائى أو عفوى .
· منذ أكثر من 300 سنة هبط أوائل المهاجرين إلى الأمريكتين وكانوا فرحين بأنهم سيبدأون حياة جديدة ( مغامرة ) ولكن بعد أن استقر بهم الحال اجتمعوا لبحث مشروع شق طريق كبير للعربات فى الأدغال التى تحيط بهم , فقام أكثرهم بالإعتراض على الفكرة بحجة أن هذا إهدار كبير للمال وبذلك فقدوا القدرة على التفكير الكبير لأنهم حين تمكنوا من الرؤية الواضحة للفرصة الكامنة فيما وراء المحيط نجحوا ...... ولكن حين عجزوا عن رؤية الفرصة الكامنة وراء الأشجار فشلوا .......
· عليك وأنت تفكر وتسعى وتغير أن تضع نصب عينيك القيم العليا لدعوتك وأمتك أو للمصلحة أو المؤسسة التى تريد التغيير فيها واعلم أن القيم العليا لاتتغير ولايمكن التضحية بها أو المساومة عليها لأن ( المؤسسة التى تضحى بقيمها العليا تموت ولاتبقى ),قد تتغير الوسائل والأهداف أو تستبدل بغيرها حسب أولويات المرحلة ولكن يبقى أن تغيير الوسائل أو استبدالها لابد أن يكون من أجل إعلاء القيم العليا والمحافظة عليها فمثلا فى أى حركة إسلامية أو دعوية القيمة العليا هى " الإسلام " وقيم الإسلام كالعدل والمساواة والشورى والصلاة والفرائض والشرائع وووو... هذه القيم لايمكن التضحية بها أو المساومة عليها لأى سبب كان فالذين ينادون بالتخلى عن الإسلام كمرجعية للبرنامج السياسى أو الذين ينادون بالتخلى عن الإسلام كشعار أو الذين ينادون بفصل العمل السياسى عن العمل الدعوى( حيث أن الدعوة إلى الإسلام قيمة عليا تبتغى من وراء كل عمل) كإنجاب الذرية المؤمنة وتنشئة الأبناء على الإسلام , ( قيمة عليا ) كان من أجلها جعل الزواج بالكتابيات حلالا فإذا لم تتحقق القيمة العليا كما هو حادث اليوم فى دول أوروبا حين ينص القانون على إضافة ديانة الأبناء إلى ديانة الأم وليس الأب هنا يختلف الأمر ويصير الزواج بهن حراما , فالذين ينادون بذلك لايدركون أنهم بذلك يدعون إلى التضحية بالقيم العليا التى إن ضاعت .. كانت النهاية .. وماتت الدعوة .
· كذلك لتعلم أن الهياكل الإدارية والوظائف الدعوية كلها خادمة للمهمة التى تقوم بها والمهمة خادمة للهدف والهدف خادم للقيم العليا وعلى ذلك قد تتغير الهياكل الإدارية والوظائف الدعوية من أجل المهمة وليس العكس فلا تطَوًع المهمة لتتكيف مع الهيكل أو لتتناسب مع الأشخاص مثلا اللجنة الدولية لفك الحصار عن غزة هذه اللجنة لها هيكل إدارى يتكون من مجموعة من الأشخاص تتوزع بينهم الوظائف والمهام الفردية الموكلة لكل فرد لتحقيق المهمة الرئيسية التى أنشئت من أجلها اللجنة وهى إحياء القضية فى ضمائر الناس وتفعيل المنظمات الأهلية والدولية ومنظمات حقوق الإنسان وتعبئة جموع المسلمين والمناصرين للقضية من أجل الضغط على النظم العربية والدولية والحكومة المصرية خاصة من أجل فك الحصار الظالم عن غزة فمثلا إذا قصر فرد أو لم تستطع هذه اللجنة أداء المهام المنوطة بها على أكمل وجه وجب تغيير اللجنة وليس تعديل المهام ( عفوا المثال هنا توضيحى فقط وبارك الله فى جهود القائمين على هذه اللجنة ) د/انور حامد

الشورى أشواق وأشواك
وضوح الفهم وإشكالية التطبيق

بداية أتوجه بخالص الشكر والتحية للدكتور محى حامد على مقاله المميز عن الشورى فقها ( تأصيلا ) وتطبيقا .
أولاً : لقد كان الدكتور مميزا فى عرضه فى الجانب الذى تناوله وهذا لايعنى أنه بمقال أو محاضرة أو كتاب قد أقيمت الشورى ونضجت الممارسة ولا يقول بهذا منصف .
ثانيا : أن الذين علقوا وطلبوا النظر إلى الواقع نظرة عملية محقُون إلى مدى بعيد حيث أن الممارسة والتنفيذ مازالت لم تصل إلى مرحلة النضج كما أنها فى بعض المواقع لاتمارس من الأساس وفى مواقع أخرى نجد قمة الممارسة الشورية وهذا للإنصاف وهذا سمت عام مجتمعى والإخوان جزء منه .
ثالثا : الشورى كقيمة إسلامية ومعلم من معالم حضارة الإسلام ليست اجتهاد من الإخوان ., بل من شمول منهجهم الذى يميزهم عن غيرهم لذلك وضعها الإخوان كهدف أساسى ورئيسى يدًرس ويمارس ووضعت له الأهداف الإجرائية والسلوكية لتحقيقة وتم تجزأته مرحليا على مراحل ومحاضن الإخوان المختلفة تبدأ ب ( أن يبدى الفرد استعداده لترك الخلاف حرصا على علاقته بالآخرين ) وتنتهى ب (أن يمارس الشورى بشكل عملى صحيح ) وهذا يتوقف علىالتنفيذ والقدرة على تحويل المعارف إلى سلوك و هنا تلعب الفروق الفردية والأنماط الشخصية والمهارات الإدارية الدور الأبرز فى تحقيق الهدف .
رابعا : الواقع يشهد أن البعض مازال أسيراً للعمل المغلق ومتأثرا به والذى كان لايتيح قدراً مناسبا من الشورىخاصة على مستوى القواعد , وبالتالى لايستطيع تحقيق هذا الهدف مع غيره وهذه من إشكاليات التطبيق والتى تحتاج إلى مراجعة للنفس وشجاعة للإعتراف بالخطأ وإقدام على التصحيح والتنفيذ .
خامسا : كما قال الدكتور محى حامد ( إن ممارسة الشورى والالتزام بضوابطها وآدابها تحتاج منا إلى فهم ووعي، كما تحتاج منا إلى الشجاعة والقدرة على ضبط النفس،) وهذا لايمكن القول بتوفره لدى الجميع بل يحتاج إلى عزيمة وصبر وإصرار وهذا من أبجديات التربية التى هى عملية تراكمية داخل النفس حتى تتحول القيم مع تكرارها إلى عادة ( التربية فعل متكرر حتى تعتادة النفس ) ولذلك الذين يتحدثون عن الشورى والقصور فيها و يظنون أن الشورى تحدث وتنضج بين يوم وليلة أوبقرار إدارى أو بتغيير مسئول بآخر... , هم لايدركون قيمة الشورى كقيمة عظيمة تُنشًأ فى نفس بشرية (بما لها وما عليها ) وهذا سوف يتستلزم جهدا ووقتاً .
سادساً: أين تمارس الشورى ؟ وهل جميع الإخوان مطالبون بممارسة الشورى فى كل مسألة وقرار, وفى آن واحد ؟ ومن ثم ! من هم المعنيون بالشورى ؟ هذه أسئلة لابد من الإجابة عليها ومناقشتها بهدوء ورويًة , حيث أن ممارسة الشورى وتطبيقها له متطلبات ومراحل وتعترضها عقبات ومشاكل, ومن هذه الإشكاليات أين تمارس ؟ ومن يمارسها ؟ .... إن ممارسة الشورى فى أى عمل أو مؤسسة أو جماعة هو عمل خاص بأبنائها فقط , بل ومن أهل الإختصاص من أبنائها وأهل الحل والعقد , وفى الإخوان مستويات إدارية مختلفة كل مستوى يحتاج إلى خبرات ومتطلبات محددة وله أفراده الذين يقومون على إدارته ومنهم يتم إنتخاب مجلس شورى لكل مستوى , ومجلس الشورى لكل مستوى هو فقط المنوط بممارسة الشورى فيما يتخذ من قرارات , وليس لأفراد الإخوان من المستويات الإدارية الأخرى الحق فى ممارسة الشورى إلا فى مستوياتهم فقط ولكن لهم حق النصح بآدابه وعليهم المشورة إذا طلبت منهم وهناك فارق كبير بين الشورى والمشورة.
سابعاً: إن الذى لايستطيع أن يمارس الشورى فى بيته ومع زوجته وأبنائه ويفضل دور ( سى السيد ) والذى لايمارس الشورى فى عمله ومكتبه ومع موظفيه ومرؤوسيه لن يستطع غرس الشورى ولا ممارستها فى دعوته ورحم الله الأخ إبراهيم متولى الذى كان يجمع أبناءه وهم بين الإعدادى والثانوى والإبتدائي ليشاورهم فى القرارات المصيرية فى بيته وكان يمازحهم ( تعالوا نعمل برلمان علشان يبقى الأمر شورى ) رحمة الله عليك أخى إبراهيم ...., وفى المقابل هناك من يردد ويطبق المثل القائل ( لو مراتك ليها فى البيت مسمار ماتخلعهوش ... لأ.. إكسره ..!!) لأن الزوجة عنده لاتُشاور وإذا شاورها فهو من باب شاوروهم وخالفوهم فأمثال هؤلاء لايقيمون شورى ولايرسخون مبدأها عند غيرهم , فالشورى تحتاج إلى مزيد من المراجعة والمصارحة للنفس والمثابرة مع الممارسة والتنفيذ حتى تصل إلى مرحلة النضج وهذا واجب كل فرد على حدته وكل مسئول فى حدود مسئوليته وكل عضو فى مجلس شورى لأداء واجبه فى ممارسة الشورى ومراجعة كل قراريصدر ليكون ملتزماً بآليات الشورى .
ثامناً : هل كل الأمور تحتاج إلى الشورى ؟ وهل الشورى قيد على المسئول تصيب العمل بآفة الروتين ؟ الشورى معلم عام يطبق فى الأمور كلها ونتائجها ملزمة لكن هناك استثناءات للمسئول فى بعض المسائل البسيطة أو الحساسة أو التى تتطلب قدراً كبيراً من الكتمان والسرية ( على مستوى الدول تكون قرارات الحرب والقرارات المتعلقة بالأمن القومى ...الخ ) كالقرارات المتعلقة بأمن الجماعة أو التى تتناول فى أحد جوانبها أسراراً شخصية وهذه أمور تضيق فيها دأئرة الشورى وتتسع حسب القضية المطروحة وهنا يكون ( رأى الإمام ونائبه فيما لانص فيه وفى المصالح المرسلة ....) كما أن الأمور التى تسٍير العمل والزمن والوقت فيها لايسمح بالإنتظار حتى يجتمع مجلس الشورى وحتى لاتفوت المصلحة ولا تحدث المضًرة , وحتى لاتكون الشورى هنا قيدا على إدارة العمل وروتينا يفوت المصالح , فإن المسئول تترك له مساحة لإتخاذ مايلزم مع عرض قراراته على المجلس فى أقرب فرصة للإنعقاد , كذلك للمسئول حق اتخاذ القرار حسمًا للجدل فى مسألة ما .
تاسعاً :فى ظل الهجمة الأمنية الشرسة على الجماعة والضغط المستمر والتربص بالدعوة يدفع المسئولين إلى الاحتياط وتضييق المسافة الزمنية بين القرار والتنفيذ مما يجعل مع ضيق الوقت صعوبة فى ممارسة الشورى كذلك كثرة المتغيرات السياسية التى تستوجب قرارات سريعة لايتسع الوقت لها لممارسة الشورى بالصورة المطلوبة.
عاشراً : فى ظل ثورة المعلومات ووجود الإعلام المناوىء المتربص قد تتسرب بعض الموضوعات إلى الرأى العام قبل عرضها للشورى ( بعضها يكون من باب التوقعات الصحفية وبعضها تسرب للمعلومات ) وقد تصدق هذه التوقعات كالحديث عن الإنتخابات البرلمانية المقبلة أو الرئاسية وموقف الجماعة منها , والشورى والقرار فريضة وقته وليس كل وقت وقد يكون الأمر قيد الدراسة والبحث من هيئة متخصصة وعلى مراحل متعددة ولا يصح عرضها للنقاش والتمحيص والشورى قبل استيفاء مراحل الدراسة حتى لو تم تسريبها إلى الرأى العام , لذا وجب الحذر والإحتياط فى الإحتفاظ بالمعلومات أو تسريبها.
فى ظل هذه الأجواء يتضح أن العمل على ممارسة الشورى وإنضاجها يحتاج إلى جهد كبير وصبر وشجاعة وقدرة على ضبط النفس كما قال الدكتور محى حامد فى مقاله جزاه الله خيراً. والله الموفق لما يحب ويرضى

د/ أنور حامد

الشباب وأمل التغيير
سيظل دائما وأبدا بل ومن المقطوع به يقينا أن الشباب هم عدة الأمم والشعوب النهضوية والحضارية , بل وعين الأمة التى ترى بها مستقبلها . وأن واقع أمتنا اليوم لايسر عدو ولا حبيب , وأن الأمة أصابها من الداء العضال ومن الفساد الهزال ,وفى ظل هذا الوضع نشأت أجيال وترعرعت على الفساد, وبسببه أكل الفقر والمذلة والحقد نفوس الناس , وبات الأمر يحتاج ليس الى مسكنات ولا إلى ترميم بقدر الحاجة الى بناء جيل جديد من الرجال(بما تحمل هذه الكلمة من معان) ليحملوا أمانة إصلاح هذه الأمة وهذا الوطن (( إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) الرعد..آية 11 ............... والشباب هم أمل التغيير المنشود فهيا إلى التغيير هيا إلى العمل .
الشباب وأمل النهضة:
إن الرجال هم سر حياة الأمم ومصدر نهضاتها وإن تاريخ الأمم جميعاً إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات . وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما تقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة . وإني اعتقد ـ والتاريخ يؤيدني ـ أن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته ، وفي وسعه أن يهدمها كذلك إذا توجهت هذه الرجولة إلى ناحية الهدم لا ناحية البناء ..*
وإن الأمم تجتاز أدوارا من الحياة كتلك الأدوار التي يجتازها الأفراد علي السواء فقد ينشأ هذا الفرد بين أبوين مترفين آمنين ناعمين فلا يجد من مشاغل الحياة ما يشغل باله ويؤلم نفسه ولا يطالب بما يرهقه أو يضنيه ، وقد ينشأ الفرد الآخر في ظروف عصيبه وبين أبوين فقيرين ضعيفين فلا يطلع عليه فجر الحياة حتى تتكدس علي رأسه المطالب وتتقاضاه الواجبات من كل جانب وسبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا ملامسة .*
ومع أن ظروفنا هي ما علمت .. فإن نفوسنا لا تزال تلك النفوس الرخوة اللينة المترفة الناعمة التي تجرح خديها خطرات النسيم ويدمى بنانها لمس الحرير وفتياتنا وفتياننا هم عدة المستقبل ومعقد الأمل لا يزال حظ أحدهم أو إحداهن مظهرا فاخراً أو أكلة طيبة أو حلة أنيقة أو مركباً فارهاً أو وظيفة وجيهة أو لقباً أجوف ، وإن اشترى ذلك بحريته وإن أنفق عليه من كرامته وإن أضاع في سبيله حق أمته .*
وهل رأيت أولئك الشبان الذين تنطق وجوههم بسمات الفتوة وتلوح على محياهم مخايل النشاط ويجرى في قسماتهم ماء الشباب المشرق الرقراق وهم يتألمون على أبواب رؤساء المصالح والدواوين بأيديهم طلبات الوظائف ؟ وهل رأيتهم يتوسلون بالصغير والكبير ويرجون الحقير والأمير ويوسطون حتى سعاة المكاتب وحجاب الوزارات في قضايا المأرب وقبول الطلبات ؟*
هل تظن ـ يا عزيزي ـ أن هذا الشباب إذا أسعفه الحظ وتحقق له الأمل و التحق بوظيفة من هذه الوظائف الرسمية يفكر يوماً من الأيام في تركها أو التخلي عنها في سبيل عزة أو كرامة وإن سيم الخسف وسوء العذاب ؟ *

وقد شاءت لنا الظروف أن ننشأ في هذا الجيل الذي تتزاحم الأمم فيه بالمناكب وتتنازع البقاء أشد التنازع وتكون الغلبة دائماً للقوي السابق .*

بين أغاليط الماضى ومراراته وآمال المستقبل وإشراقاته:

لقد شاءت لنا الظروف أن نواجه نتائج أغاليط الماضي ونتجرع مرارتها ، وأن يكون علينا رأب الصدع وجبر الكسر ، وإنقاذ أنفسنا وأبنائنا ، واسترداد عزتنا ومجدنا ، وإحياء حضارتنا وتعاليم ديننا ..*
وشاءت لنا الظروف كذلك أن نخوض لجة عهد الديكتاتورية الأهوج ، حيث تلعب العواصف الفكرية والتيارات النفسية والأهواء الشخصية بالأفراد وبالأمم وبالحكومات وبالهيئات وبالعالم كله ، وحيث يتبدل الفكر وتضطرب النفوس ويقف الربان في وسط اللجة يتلمس الطريق ويتحسس السبيل وقد اشتبهت عليه الأعلام وانطمست أمامه الصور ووقف علي رأس كل طريق داع يدعوا إليه في ليل دامس معتكر وظلمات بعضها فوق بعض ، حتى لا تجد كلمة تعبر بها عن نفسية الأمم في مثل هذا العهد أفضل من "الفوضى" , كذلك شاءت لنا ظروفنا أن نواجه كل ذلك وأن نعمل على إنقاذ الأمة من الخطر المحدق بها من كل ناحية .*

الحلول المسكنةوالوعود والأمنيات لاتصلح أمة:

وإن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا ، وتنهض لمهمة كمهمتنا ، وتواجه واجبات كتلك التي نواجهها ، لا ينفعها أن تتسلى بالمسكنات أو تتعلل بالآمال والأماني . وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف وصراع قوي شديد بين الحق والباطل وبين النافع والضار وبين صاحب الحق وغاصبه وسالك الطريق وناكبه وبين المخلصين الغيورين والأدعياء المزيفين . وأن عليها أن تعلم أن الجهاد من الجهد ، والجهد هو التعب والعناء ، وليس مع الجهاد راحه حتى يضع النضال أوزاره وعند الصباح يحمد القوم السرى .*
إصلاح النفوس:
وليس للأمة عدة في هذه السبيل الموحشة إلا النفس المؤمنة والعزيمة القوية الصادقة والسخاء بالتضحيات والإقدام عند الملمّات وبغير ذلك تغلب علي أمرها ويكون الفشل حليف أبنائها.*
نفوسنا الحالية في حاجة إلى علا ج كبير وتقويم شامل وإصلاح يتناول الشعور الخامد والخلق الفاسد والشح المقيم . وإن الآمال الكبيرة التي تطوف برؤوس المصلحين من رجالات هذه الأمة ، والظروف العصيبة التي نجتازها تطالبنا بإلحاح بتجديد نفوسنا وبناء أرواحنا بناءً غير هذا الذي أبلته السنون وأخلقته الحوادث وذهبت الأيام بما كان فيه من مناعة وقوة ، وبغير هذه التقوية الروحية والتجديد النفسي لا يمكن أن نخطو إلى الأمام خطوة .* ..
ثورة على الذات:
أيها الشباب:إن ميدانكم الأول أنفسكم فإن انتصرتم عليها فأنتم على غيرها أقدر وإن عجزتم فأنتم عما سواها أعجز, فاعلنوها ثورة على الذات ثورة على الخمول ثورة على السلبية واليأس ... إشحذ همتك وأيقظ أخاك وقل له :
أخى .. طال عهدك بالمرقد ...... وطال انتظارك للتالد
فحطم فراشك رمز الخمول ..... وشمر عن الساق والساعد
بين القول والعمل والخيال والواقع:
إن ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول ، وميدان الجهاد غير ميدان العمل، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ .يسهل علي كثيرين أن يتخيلوا، ولكن ليس كل خيال يدور بالبال يستطاع تصويره أقوالا باللسان ، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا ولكن قليلاً من هذا الكثير يثبت عند العمل ، وكثير من هذا القليل يستطيع أن يعمل ، ولكن قليلا منهم يقدر علي حمل أعباء الجهاد الشاق والعمل المضني . وهؤلاء المجاهدون وهم الصفوة القلائل من الأنصار قد يخطئون الطريق ولا يصيبون الهدف إن لم تتداركهم عناية الله ، وفي قصة طالوت بيان لما أقول ، فأعدوا أنفسكم وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختبار الدقيق وامتحنوها بالعمل ، العمل القوي البغيض لديها الشاق عليها ، وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها **
أعلنوا للناس فكرتكم ومنهاجكم:
إنكم الآن و قد أرغمتكم الدعوة على أن تتخطوا الحواجز الخاصة إلى الميادين الواسعة , و قد أظهرت الدعوة نفسها فأخذ الناس يتساءلون عنها و عنكم , و أخذ بعض الحاقدين يتطوع بتصويركم لغيركم على غير الحقيقة والواقع , فقد وجب عليكم أن تبينوا للناس غايتكم و وسيلتكم و حدود فكرتكم و منهاج أعمالكم , و أن تعلنوا هذه الأعمال على الناس لا للمباهاة بها و لكن للإرشاد إلى ما فيها من نفع للأمة و خير لأبنائها**
كونوا عباد الله إخوانا:
إنه لاسبيل لتحقيق ذلك كله إلا إذا صفت النفوس وتلاقت الأرواح وتآخت فى الله على غير أرحام بينها وتوحدت الصفوف حتى صار الإيثار هو لغة التفاهم بينهم ( واللذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأُولئك هم المفلحون ) الحشر آية 9..فالزموا أنفسكم الوحدة والإخوة الصادقة , والارتباط الرباني القوي المتين , وسيكون الأمل عظيم في المستقبل , ما دمتم كذلك أخوة في الله متحابين متعاونين , فاحرصوا على هذه الوحدة فإنها سلاحكم و عدتكم **.
( * )الإمام الشهيد فى رسالة " هل نحن قوم عمليون" بتصرف من الكاتب
(** ) الإمام الشهيد "من خصائص دعوة الاخوان"" بتصرف من الكاتب
د/أنور حامد